كتاب : ارهاب تحت الطلب
بقلم الأستاذة حنان الخميري ، المحامية لدى التعقيب بالمحاكم التونسية .
الحمد لله وحده,
لقد نالني شرف تقديم هذا العمل الصحفي المهم الذي سيكون مرجعا تاريخيا بإذن لله تعالى إذ وثق الباحث فيه جرائم فضيعة ارتكبت في حقّ البلاد والعباد باستعمال ما يسمّى بتقنية الإختراق.
إن الاختراق وإن كان وسيلة قانونية من طرق التحري الخاصة التي أجازها القانون عدد26 لسنة 2015 المؤرخ في 07 أوت 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال ، فإنه من الناحية العملية المحضة بقي قاصرا عن تحقيق الأهداف المزعومة المبررة له كإجراء وهو الوصول للحقيقة ومكافحة الإرهاب وغسيل الأموال. ذلك أنه من الناحية الواقعية المحضة لا يمكن للمخبر المعتمد أن يقوم بدوره كعنصر إختراق دون السعي لكسب ثقة المجموعة المكلف باختراقها وهو أمر يتطلب حتما أن يبادر بالقيام بأعمال تجعل من البقية تبعا له حتى يحظى بثقتهم و هو ما يعترف به القانون إذ جاء بالفصل 59 من القانون المذكور : ” لايؤاخذ المخترق جزائيا عند قيامه دون سوء نيّة بالأعمال التي تتطلبها عملية الإختراق”.
إن القانون لم يبين معايير دقيقة ل “الأعمال المشروعة” في عملية الإختراق وترك الأمر على إطلاقه فلم يقصي فرضية الشروع في القيام بأعمال إرهابية او الشروع في ارتكاب عمليات ارهابية لإيهام المجموعة المخترقة بانه منهم أو لطمأنتهم. ومها يكن من الأمر فإننا نتسائل عن جدوى هذا الإجراء أمام التطورات التكنولوجية الحديثة وإعتماد ما يسمى باعتراض الاتصالات وكذلك المراقبة السمعية البصرية التي جاء بها الفصل 61 من قانون 2015.
لا يخفى على الجميع ان القانون عدد 26 لسنة 2015 كسابقه مستوحى من القوانين الامريكية وجاء في إطار المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية أساسا والتي تعتبر نفسها في تقديري وصية على العالم وتمرر سياساتها في الغرض ، فلا تكف عن التدخل في خصوصيات الغير بعنوان التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتنسيق الجهود في الغرض وذلك بالتدخل أيضا في القوانين والتشريعات التي تم اعتبارها آلية من آليات مكافحة الإرهاب لا مظهرا من مظاهر سيادة الدولة .
إنه لم يعد يكاد يمر حيز زمني قصير دون أن نسمع بلقاء وزراء داخليتنا بمسؤولين امريكيين سامين للتنسيق في مجال “مكافحة الإرهاب” أو ارسال ضباطنا للإشراف على تكوينهم ورسكلتهم. وربما تركت الولايات المتحدة الأمريكية بصمتها في القوانين المتعلقة بالإرهاب وتكوين ورسكلة المتداخلين في الغرض اثرا كبيرا على مستوى الواقع. كما لا يخفى على أحد أن أشهر من لجأ للإختراق بغاية اثارة عمليات ارهابية والإيهام بارتكاب عمليات ارهابية هم الأمريكان وهو ما اصطلح عليه لديهم False Flag Operations .
كما لا يخفى على أحدا أن السياسة الخارجية الأمريكية ترنوا للهيمنة العالمية وانتهجت طريقة صنع العدوّ ومحاربته تحت ما يسمى ب “مكافحة الإرهاب” الذي اصبح مفتاح التدخل في شؤون أي بلد تريد أن تضع يدها عليه. فالأحداث الإرهابية المفتعلة تخدمها أولا وأساسا و إن كان على اراضي “حلفائها” ، و في إطار زعم مكافحته تبيح لنفسها خرق مبدأ سيادة الغير على أراضيه وأصبح أي مكان في العالم مستهدفا لتدخلها بتعلة مكافحة الإرهاب.
واتسمت استراتيجية مكافحة الإرهاب على تلك الطريقة بما يسمى الضربات الوقائية والإستباقية وهي آليات تمكنها من فتح وخلق مناطق وبؤر توتر عند الطلب وبحسب الحاجة الإستراتيجية ونحن لا نستبعد ان يكون لِمُدبري عملية المنيهلة المفبركة علاقة وطيدة ببعض أعوان تلك الدولة سواء من حيث التخطيط أو خدمة المصالح ، فلا ننسى أن قائد العملية (آمر الحرس آنذاك) ردد مرارا أن مصالح الولايات المتحدة مهددة في بلادنا و ليؤكد عنصر الاختراق “النمر” هذا الاتهام عبر إيعازه للأفراد الذين قام بتجنيدهم لاستهداف جنرال أمريكي يقيم في تونس. لا أريد أن أنهي كلامي دون الإشادة بالمجهود الجبار الذي بذله الأستاذ ماهر زيد لإنجاح هذا العمل ماض في دربه لكشف الحقيقة لا تضعفه هرسلات ولا تثنيه محاكمات وإيقافات. نسأل الله له الثبات والله الموفق.
الأستاذة ( المحامية ) حنان الخميري
قريبا في الأسواق