كتاب : النقابات الأمنية و الفساد
منذ ظهورها عام 2011 بمقتضى المرسوم الرئاسي عدد 42 وبمساهمة رئيسية من أمنيين معزولين انتهكت النقابات الأمنيّة في تونس كلّ القواعد المتعارف عليها في العمل الأمني من سريّة وانضباط ونأي بالنفس عن التجاذبات السياسيّة، وخالفت فصول القانون المنطبق (قانون الجمعيات) ولاسيّما تلك المتعلّقة بتلقّي التمويلات، واللافت أنّ النقابيين وأشباههم يتذرّعون مع كلّ تجاوز يرتكبونه ب”المصلحة العليا للوطن” لينطبق عليهم القول الشهير “إنّ الوطنية هي المأوى الأخير لكلّ وغد”!..بات تغوّل النقابات الأمنية في مهد “الربيع العربي” واقعا لا مجال لإنكاره وهو ما يشي بوجود دعم خارجي ما لهذه الهياكل ينضاف إلى تحوّزها على ملفات خطيرة تتوسّل بها لابتزاز مسؤولين كبار في الدولة، فما بدا للبعض إنجازا ومكسبا ثوريا تبيّن مع انسياب الأيام أنّه خطأ جسيم غدا عبءا يُثقل كاهل الدولة. ومايزيد الطين بلّة هو هذا الاحتفاء بالتعددية النقابيّة داخل السلك الأمني والذهول عمّا يمكن أن يسبّبه ذلك من صراعات البيْنيّة وبالتالي مزيد تعزيز الاصطفافات المشبوهة ..وبفعل الضغوط التي تمارسها النقابات الأمنية تتواتر حالات الموت تحت التعذيب وتُمتهن كرامة المواطنين من قبَل بعض الأمنيين دون أن تأخذ التتبّعات القانونيّة مجراها الطبيعي ليجد التونسيون أنفسهم يعيشون في كنف دولة الإفلات من العقاب لا يسعنا فيها سوى العمل على إطلاق حراك ثوريّ يُعيد بناء النسيج العلائقي بين السلطة و الشعب. فالحالة النكوصية باتت أوضح من أن يُشار إليها، والأخطر من هذا الارتكاس هو مواصلة التعامل معه بمنطق التطبيع بحجّة التكيّف مع مقتضيات الانتقال ومخاضه العسير ! ..
وبعيدا عن النشاط النقابي الرسمي دأب إعلام البنفسج على تسويق خطاب مواز لعدد من “المنتحلين” يتمّ تقديمهم كنقابيين و”خبراء أمنيين” رغم أنّ معظمهم من ذوي الرتب الأمنيّة الدنيا وبعضهم محكوم عليه قضائيا في جرائم مخلّة بالشرف، ما جعلنا في النهاية أمام مشهد “بوليسي”يُمارَس فيه الإرهاب الماديّ والنفسي تحت غطاء “العنف الشرعي”. ليُصبح الحديث عن مجرّد “تجاوزات” مفارقا ما لم يقترن بالحديث عن “جرائم” مكتملة الأركان، وهو واقع ارتأيْنا ملامسة بعض ملامحه في هذا الكتاب البعيد كلّ البعد عن الإنشاء والكلام المرسل إذ أودعنا فيه من الأدلّة الموثّقة ما يكفينا مؤونة التوضيح والتعليل ..
Comments are closed.